في إطار المساهمة في المجهود الفكري الجماعي بتونس الحبيبة المتعلق بالتنمية والاقتصاد تقدم المجلة التونسية للاقتصاد الإسلامي سلسلة من الدراسات المتعلقة بمنوال التنمية تقديرا منها بضرورة تضافر الجهود لكل الفاعلين في الشأن السياسي والعلمي والمجتمعي لحلحلة الواقع التنموي بمختلف الجهات وللاستجابة لتطلعات تونس الثورة خاصة بعد اتهام الحكومات المتعاقبة بالتقصير في بلوغ طلبات الشعب الذي أنجز ثورة سماها ثورة الكرامة.والى جانب مطلب الحرية يبقى الجانب المادي المتعلق بالتشغيل وتحسين مستوى المعيشة من المطالب الملحة التي لم ترضى عنها الشرائح الفقيرة والمتوسطة خاصة.
سوف نقدم عدة مقالات – عدة تساؤلات – عدة مقترحات. القاسم المشترك بين كل الإسهامات تتعلق بالتشخيص ثم مساهمات في الحلول.
ما هو المحرك المعطل في العجلة الاقتصادية ؟؟؟؟؟
البحث عن تحقيق الانتعاشة قام على تدعيم الاستهلاك على حساب الاستثمار = خطأ في التشخيص
في وضع يتسم بتراجع الاستثمار الخاص ووجود ظروف متعددة معرقلة للمسار و غير مشجعة له. جرى البحث على تحقيق الانتعاشة في إطار منوال تنموي يعتمد على نفس الإجراءات و السياسات التي أصبح مردودها ضعيفا إن لم يكن سلبيا . من ذلك تواصل العمل قصد الرفع من نسق الاستثمار الخاص في ظروف لا يمكن لها أن تشجع على ذلك . و من ثم كانت الحصيلة زيادة تكاليف النقص في الموارد الجبائية و المالية دون تحقيق أي نتائج جديرة بالذكر .
وقع التشجيع على الاستهلاك بغية خلق طلب للإنتاج.وقع ذلك بالتشجيع على الاستهلاك وتسهيل القروض الاستهلاكية .مما أدى حسب رأينا إلى ازدياد الطلب دون أن يؤدي إلى انخفاض في الأسعار وتراجع في التضخم .
*عدم الحرص على مواجهة العناصر التي من شانها أن تحد من تحقيق الانتعاشة في اقتصاد منفتح و منصهر في السوق العالمية بنسب عالية ، ذلك انه في مثل هذا الوضع كان من المفروض لتحقيق الانتعاشة الحرص على تحقيق زيادة الإنتاج المحلي و الحد من الواردات من جهة و إعطاء الأولوية للمستثمرين المحليين لانجاز المشاريع الاستثمارية مع إلزامهم باستعمال عناصر إنتاج محلية كل ما أمكن ذلك من جهة أخرى هاته الإجراءات كانت ضرورية حتى لا توجه زيادات النفقات المحلية إلى تنشيط الاقتصاديات العالمية عبر التوريد بل إلى تحريك الدورة الاقتصادية الداخلية بدون ضغوطات تضخمية . لكن في غياب الإجراءات الوقائية المذكورة فالذي حصل هو زيادة في التضخم المالي و تباطؤ في نسق النمو مع تفاقم عجز الميزان التجاري و ارتفاع المديونية العمومية .
تركيز هذا النمط على النمو على حساب التنمية
ذلك إن عملية التنمية تتمثل في حصيلة التطورات الهيكلية اقتصاديا و اجتماعيا و مؤسساتيا وديمغرافيا و سلوكيا المرافقة للنمو و الدافعة لسيرورته و استمراره وشموليته و قدرته على تحقيق الرفاه للمجموعة الوطنية .
إلا انه في وضع تونس اقتصر الأمر على دفع النمو و إعطاء الأولوية للجانب الكمي على حساب الجانب النوعي و الهيكلي و الشمولي .ورغم ما تم منحه من امتياز ايجابي لبعض الجهات في ميزانية التنمية خاصة إبان الثورة.تمت بموجبه العديد من الاستثمارات المتعلقة خاصة بالبنية التحتية من طرقات ومسالك فلاحية ولكن يبقى منوال التنمية الحالي يعطي الأولوية لتحسين التوازنات المالية الكلية على حساب التوازنات الحقيقية
بمعنى إن الاهتمام كان منصبا على تقليص عجز الميزانية العمومية و عجز ميزان الدفوعات و تقليص نسبة المديونية العمومية و نسبة التضخم خصوصا و ذلك بالتوازي مع الإهمال النسبي لتحسين التوازنات الحقيقية من الرفع في نسبة التشغيل و تقليص البطالة و الحد من الفوارق الجهوية و تحسين توزيع الثروة بين الأطراف الاجتماعية والجهات و الأجيال و التحكم في استغلال الموارد الطبيعية و إعطاء أهمية كبرى للمحافظة على المحيط تلك هي أهم الموازنات الحقيقية .
أعطى المنوال أهمية قصوى لتعميق الانصهار الاقتصادي التونسي في الاقتصاد العالمي على حساب الاندماج الإقليمي و قد نتج عن هذا الاختبار تثبيت الاقتصاد التونسي في تقسيم دولي تقليدي للعمل انحسر في استغلال الموارد الطبيعية (بترول – فسفاط – ملح – سياحة ) من جهة وتركيز أنشطة ذات قيمة مضافة ضعيفة تقتصر على استغلال يد عاملة ضعيفة الكفاءة و المردود و الأجر .هذا التثبيت من شانه أن يأدي إلى نسيج اقتصادي غير متنوع متفكك العناصر و موجه أساسا إلى التصدير .
كما أدى هذا التثبيت في التقسيم الدولي للعمل إلى التناقض بين حركية النسيج الاقتصادي الذي يتوسع على أساس انتداب يد عاملة تفتقر إلى الكفاءة من جهة و منظومة تعليم و تكوين تنتج أفواجا متصاعدة من حاملي الشهادات العليا . و قد أدى هذا التناقض إلى احتداد الإخلالات في سوق الشغل مع استقرار النسبة العامة للبطالة في مستويات عالية و تصاعد نسبة بطالة حاملي الشهادات الجامعية .
كما أدى هذا الوضع إلى تعطيل أهم مصعد اجتماعي متمثلا في التعليم وقاد إلى تفشي الإحباط و الغضب لدى الطلاب و عائلاتهم و الرأي العام الوطني .
و الحال أن السوق مؤسسة من صنع الإنسان يقننها و يؤطرها و ينظمها ويوظفها و يوجهها خدمة لأهداف محددة و قد نتج عن ذلك انتشار قانون الغاب و احتكار الثروة و استشراء الفساد و انحسار النسيج الاقتصادي في أنشطة ناجمة عن تقسيم دولي للعمل مفروض من قبل مصالح عالمية ومؤسسات دولية مالية مهيمنة .
*قد أدى التشبث بمنوال تنموي ظل يشهد فتورا متواصلا و متصاعدا إلى اعتماد سياسات إغراق متنوعة و باهظة التكاليف منها :
إن الإغراق الاجتماعي بعنوان مرونة التشغيل متمثلة في انتشار انمطة تشغيل هشة و الإغراق التجاري القائم على مستوى أسعار عند التصدير دون المستوى المعمول به في السوق الداخلية و الإغراق الجبائي المتمثل في إسناد الامتيازات و التشجيعات حثا على الاستثمار و استقطاب الاستثمارات الخارجية كذلك . هذا إلى جانب الإغراق النقدي المتمثل في التراجع المستمر لقيمة الدينار قصد تدعيم تنافسية الاقتصاد الوطني في السوق العالمية في غياب تحقيق نسق كاف للإنتاجية