ar

التكامل بين مؤسسات صناعة الصيرفة الإسلامية : أي دور للبنوك المركزية؟

يهدف هـذا البحث على تسليط الضوء على واقع العلاقة بين البنوك المركزية أحد عناصر التكامل بين مؤسسات الصيرفة الإسلامية والمصارف الإسلامية في العديد من الدول التي تمارس فيها المالية الإسلامية بغية تجاوز العقبات التي تعيق هـذا التكامل المطلوب .يشمل التشخيص الممارسات والتشريعات والأعراف مع خصوصية كل نظام وحسب مستوى مجالات التطبيق . والغاية ومخرجات البحث يتمثل في توصيات عملية وتطبيقية تمكن من التقدم بالمالية الإسلامية والاقتصاد الإسلامية.
ونظرا لأهمية المنهجية في كل عمل بحثي , اعتمد المقاربة المقاصدية كمنهج للبحث واعتمدت على أربع مقاصد للشريعة في الجانب الاقتصادي كأدوات للتقييم في واقع العلاقة بين لبنوك المركزية والمصارف الإسلامية .لأجل ذلك تطرقت لشرح مقاصد الشريعة في الجانب الاقتصادي أولا ثم قمت بالتشخيص للاستنتاج التوصيات والمخرجات المطلوبة.
الكلمات المفاتيح : مقاصد – تكامل – مصارف – بنوك – مركزية – إسلامية.

1. تمهيد:

لتقييم أي وضعية لواقع المالية الإسلامية عموما , انطلاقا من التشخيص إلى استنتاج الحلول الكفيلة بتحقيق التنمية الاقتصادية مع التميز والالتزام بالضوابط الشرعية , لا بد من اعتماد المقاربة المقاصدية, أي عرض ذلك الواقع ها على مقاصد الشريعة في الاقتصاد برؤية حركية متلائمة ومنسجمة مع كل عناصرها , حتى لا يكون التقييم مجرد أحكام فقهية ضيقة قد لا تحقق الهدف المنشود .
لذلك اسمحوا لي في البداية عرض مقاصد الشريعة في الاقتصاد من وجهة نظري لنعتمدها بعد ذلك في تشخيص واقع التكامل بين مؤسسات صناعة المالية الإسلامية وخاصة دور البنوك المركزية تجاه المصارف الإسلامية.

أولا : مقاصد الشريعة في الاقتصاد

1.1.المــقـــصــــد الأول : إعمار الأرض:

إن مهمة المجتمع الإسلامي الكبيرة والأساسية هي القيام بأعمار الأرض ضمن سياق الخضوع لأوامر الله سبحانه وتعالى وفي ظلال المبادئ، وفي إطار القيم التي شرعها الله سبحانه وتعالى.

2.1.المــقـــصــــد الثاني: التـنمية الـنفــعــيــة: التنمية الطيبة

وهو أن تتم بوسائل وأساليب بعيدة عن الاستغلال والظلم و يستفيد منها الجميع. و يتحقق هـذا عندما:
تكون البضاعة أو الخدمة حلالا نافعة إنتاجا وتوزيعا واستهلاكا وتملكــا.
العلاقات والعقود المتعامل بها شرعية ومستعملة منتجات مالية ومعاملات مالية وعلاقات شرعية ليس فيها معاملات منهي عنها شرعا. .

3.1.المقـــصـــد الـثـــالث: العـــــدل

  • العدل هو في الحقوق المعنوية, بينما القسط فهو في الحقوق المادية وهو ليس بالمساواة المطلقة بين المختلفين.
  • من كل حسب طاقته , ولكل حسب جهـده ثم حاجته .

4.1.المقـــصـــد الرابع:المصــلحـــة

  • مراعاة المصلحة والاستحسان ورفع الحرج في كل االعلاقات بين مختلف الأطراف (في التسعير والملكية وضوابطها وفي التوزيع)
  • وبهـذا المفهوم فقط نستطيع القول أن الشريعة الإسلامية صالحة لكـل زمان ومكـان ومن ورائها الاقتصاد الإسلامي صالح لـكـل زمان ومكـان لأن لـه من المرونة الكبـيرة التي تنـتج لكل حال منوال تنمية إسلامي .
  • و بقدر ما يحقـق مقاصد الشريعة في الجانب الاقتصادي فهو أقرب إلى الاقتصاد الإسلامي أو لنـقـل إن مجموعـة هـذه النماذج التنموية تمثل الاقتصاد الإسلامي علما ومذهبا.

المسألة الثانية التي أود أن أؤكد عليها هي الجواب على سؤال : ما هو الهدف من إحداث أي منشأة اقتصادية .الهدف كما يعتبره المختصون في التصرف وإدارة الأعمال Management هو الحياة أو العيش : la vie de l’entreprise لذلك يمكن أن نفكر بطريقة موضوعية عندما مثلا نريد أن نحمي المؤسسة من سلوكات المماطلين عند سداد ديونهم.بتبني الفتاوى التي تسمح بتوظيف عقوبة التأخير التي تصرف في الأعمال الخيرية دون أن تدخل في ايردات البنك.وكذلك يمكن أن ندفع مؤسسات التمويل للاستعمال المنتجات المتنوعية وليس الاقتصار على المرابحة بفرض من البنك المركزي. كل هذا لتحقيق مقاصد الشريعة في المجال الاقتصادي.
و نحاول من خلال هذه الورقة البحثية التعرف على المؤسسات المالية الإسلامية و طبيعتها و أقسامها، مركزين على واقعها الحالي و دورها في النهوض بالعمل المالي و المصرفي الإسلامي، مقترحين في الأخير بعض الاقتراحات التي نراها الطريق الأمثل لمواجهة تلك التحديات والمتعلقة بالبنوك المركزية وعلاقتها بالمصارف الإسلامية.

ثانيا: مستوى التكـامل بين البنوك المركزية والمصارف الإسلامية:

نصت معظم دساتیر الدولة العربیة والإسلامية على أن دین الدولة الإسلام وبالتالي فان تشریعاتها وقوانینها یجب أن تكون مستمدة أو مستوحاة من أحكام الشریعة الإسلامية وحیث أن المصارف الإسلامية تسعى للعمل وفق أحكام الشریعة الإسلامية وتطبیق المبادئ الاقتصادیة والمالیة بما یتفق مع أحكام هذه الشریعة فأنه من المنطق أن تقوم الدولة برعایة ودعم وتیسیر شؤون المصارف الإسلامية لان هذا النوع من التعامل یجب أن یكون الأصل لا الاستثناء.
والبنك المركزي باعتباره المؤسسة المسئولة عن تطبیق السیاسة النقدیة وممارسة الرقابة على البنوك یجب أن تكون قواعده وتعلیماته متفقة ومنسجمة مع دستور الدولة.
فانه من المفروض أن یكون البنك المركزي رافعا ومحركا للعمل المصرفي الإسلامي ولیس عائقا أمامه وان توفر جمیع السبل لإنجاحه وتذلل جمیع العراقیل والصعوبات التي تقف أمامه وتختلف هـذه الإشكاليات حسب نماذج المصارف من حيث علاقتها بالبنوك المركزية فهناك المجموعة الأولى التي تمثلها الدول التي حولت مصارفها بالكـامل إلى مصارف إسلامية ( مثل باكستان والسودان و إيران) وهنا يمكن أن تكون الوضعية أفضل ولكن هناك ربما حرق للمراحل ودون اصطحاب الدور الاجتماعي بوضوح أو بقاء بعض الممارسات المخالفة للشريعة خصوصا مع مؤسسات مالية تابعة للحكومة. كما هناك مجموعة ثانية وتمثلها الدول التي منحت المصارف الإسلامية عناية خاصة فأصدرت لها قوانين خاصة(مثل تركيا وماليزيا والإمارات العربية المتحدة ) و يتسم الوضع بنوع من المرونة بصفة عامة.أما المجموعة الثالثة فهي التي أصدرت لها قوانين استثنائية أو مؤقتة( مثل مصر والأردن والبحرين والفليبين والكويت) وعموما تتقيد المصارف الإسلامية بما تتقيد به البنوك التقليدية مع استثناءات وإجراءات تفاضلية جبائية عند البعض وأخيرا المجموعة الرابعة وهي التي قامت دون تنظيم خاص يحكمها( مثل الدنمارك وبريطاني) وقد ظلت البنوك الإسلاميَّة في هذه الدولة خاضعة للقواعد الاستثمارية والتمويليَّة الموازية للقوانين البنكيَّة.

1. تشخيص الملائمة والعوائق:

ولعل من أبرز المشكلات التي تواجهها معظم المصارف الإسلامية من قبل البنوك المركزية ما يلي وسوف أخص بالذكر ما يجب معالجته حسب رأيينا:

  • تطبق عليها نفس ضوابط الترخيض والتأسيس التي تطالب بها البنوك التقليدية.
  • تطبق على المصارف الإسلامية نفس نسبة السيولة والاحتياطي والودائع بالعملة الأجنبية.
  • تطبق على المصارف الإسلامية السقوف الكلية للتوسع الائتماني في حدود سقف أقصى للتوظيف, لا يتجاوز نسبة معينة من إجمالي الودائع وحقوق الملكية مما يضعف من القدرة الاستثمارية.
  • تحظر بعض التشريعات المصرفية على المصارف الإسلامية التعامل بالعقار والمنقولات.
  • المطالبة بتطبيق أسعار الخدمات المصرفية كما هي في البنوك التقليدية.
  • صعوبة الحصول على تمويل من البنوك المركزية عند الحاجة.
  • لا يمكن خصم الأوراق التجارية.

2. نظرة على الفضاء التونسي:

هـذا وتخضع المعاملات البنكية في تونس إلى القانون المصرفي الجديد، الصادر خلال العام 2016، الذي يتعلق بالخدمات البنكية الإسلامية. وأتاح القانون الجديد للبنوك والمؤسسات المالية “التقليدية”، المشاركة في الخدمات البنكية الإسلامية على أساس تفويض من البنك المركزي التونسي، وليس بصفة مستقلّة.

وضبطت الوثيقة الجديدة للبنك المركزي التونسي، مفهوم الصرفية الإسلامية، باعتبارها معاملات التمويل التجاري وعمليات التمويل الجماعي وودائع الاستثمار. ومنذ اعتماد هذا القانون، ظلّت البنوك الإسلامية في تونس، تعاني من ضعف الأصول البنكية، حيث لم تتجاوز 7% في عام 2018، فيما تطمح هذه البنوك، التي دخلت النظام المالي والمصرفي التونسي منذ العام 2009، إلى الاستحواذ على 15% من إجمالي الأصول البنكية في تونس، في غضون العام 2022. وتعاني هذه البنوك، من عديد العوائق، بينها، التشريعات المصرفية غير الملائمة، وغياب إطار قانوني ينظم الصيرفة الإسلامية.
ويرى مراقبون، أنّ السلطات المالية في تونس، تتعامل مع البنوك الإسلامية، بوصفها بنوكا تجارية، دون أي اعتبار لخصوصيتها وطبيعة الدور الذي تضطلع به ضمن النسيج المالي والمصرفي في تونس. يذكر أنّ عدد المصارف الإسلامية في تونس، بلغ 3 بنوك كبرى، من مجموع 22 بنكا تقليديا، وهي “مصرف الزيتونة”، و”بنك البركة”، و”بنك الوفاق”، إلى جانب ثلاث شركات في التأمين التكافلي (التكافلية، الزيتونة تكافل والأمانة تكافل)، بالإضافة إلى الشركة العربية الدولية للإيجار المالي.
و من خلال الممارسات يتبين أن البنك المركزي التونسي لم يتهيأ بعد لوضع الأطر الرقابية والإشرافية الملائمة لطبيعة العمل المصرفي الإسلامي ويبدو أن هذه الأوضاع في سبيلها للتغيير فقد وافق البنك المركزي التونسي على اعتماد المعايير الشرعية الصادرة عن الأيوفي عند ممارسة الرقابة على المصارف الإسلامية.
ينفذ البنك المركزي التونسي الرقابة والتعليمات المباشرة بطريقة سلبية على المصارف الإسلامية بحيث يقع تفعيل مناشير لتضييق العمل على الجمعيات ذات التوجهات الإسلامية وباعتبارها تفتح حساباتها في المصارف الإسلامية عموما تصل في كثير من الأحيان إلى توقيف تشغيل الحسابات الجارية على أتفه الأسباب.

وما نراه ونلمسه الآن هو وجود التقصیر الواضح من طرف البنك المركزي في دفع مسیرة العمل المصرفي الإسلامي. حیث لا یوجد لحد الآن ما ینظم بشكل كامل عمل تلك المصارف وفق خصوصیاتها التي تتمیز بها عـن عمل المصارف التقلیدیة.

ثالثا : التوصيات :

بناء على ما تقدم نوصي بما يلي:

  1. لابد من قيام البنوك المركزية بتطوير وسائلها الرقابية على المصارف الإسلامية بحيث تأخذ بعين الاعتبار طبيعة عملها التي تقوم على مبدأ المشاركة وتقاسم نتائج الأعمال ساعية لخلق بدائل تعين على مواجهة المشكلات التي تواجه هذه المصارف.وللإشارة هنا تعهد البنك المركزي التونسي مبدئيا باعتماد المعايير الشرعية لللأيوفي كإطار للرقابة على المصارف الإسلامية.
  2. يجب أن يسمح للمصارف الإسلامية بالإبقاء لديها على احتياطي عالي للعملات الأجنبية وإيداع نسبة صغيرة بالبنك المركزي حتى لا تضطر إلى دفع الفوائد.عند نفاذ خزائنها.
  3. يجب توظيف نسب خاصة: منخفضة للمصارف الإسلامية بالنسبة للاحتياطي ودائع الحسابات العادية والأخرى المتعلقة بالعملات الأجنبية.وهنا هناك من يرى بضرورة توظيف نسبة 100 بالمائة للاحتياطي الحسابات الجارية لأنها مودعة كـأمانة حتى لا يتنشر التضخم المالي وهـذا يمكن أن يكون حلا صحيحا بشرط تعميمه على جميع البنوك . وهذا ينسجم في فضاء اقتصادي لا يعتمد على التداين بل على المشاركة.وأنا أدعي أن التداين هو استثناء في المعاملات المالية في الإسلام.وإذا كان أبغض الحلال في العلاقات الاجتماعية : الطلاق فان من أبغض الحلال في المعاملات المالية هو التداين.وإذا وقع تعميم هذه الثقافة سوف تختفي المعاملات بالتداين ويعوضها الشراء بالحاضر وتلعب البنوك دور الممول وليس المقرض.
  4. إن سياسة السقوف الإئتمانيَّة هو جزء من وصفة صندوق النقد الدولي وهي سياسات تقليديَّة فاشلة أوَّل ما ترفضه هو الإستثمار، وهذا في ظل وجود ملايين فائضة راكدة في البنوك المركزيَّة . وهي تضر البنوك الإسلاميَّة أكثر من البنوك التقليدية.و تتعارض مع أحكام الشريعة نظرًا لما يترتَّب عليها من ضياع فرص الربحيَّة على أصحاب الودائع.ومع ذلك لا مانع بأن تلتزم البنوك الإسلاميَّة ﺑﻬذا السقف اذا كان التحديد يخص العميل الواحد حمايًة لها من المخاطر التي قد تنجم عن تركيز التعامل مع عميل واحد.
  5. التعامل بطريقة الإقراض الحسن عند خصم الأوراق المالية لدى البنك المركزي باعتبار تنازل المصارف الإسلامية عن أخذ الفوائد في مجالات يكون فيها البنك الإسلامي مودعا بموجب القانون لدى البنك المركزي. وبنفس الطريقة وبشروط معينة يمكن أن يقوم البنك المركزي بوظيفة الملجأ الأخير لنفس الاعتبارات. ونشير هـنا أن التأثير على نسبة توزيع الربح يمكن أن يكون بديلا عن استخدام سعر الفائدة في السياسة النقدية.
  6. ضرورة تعامل مؤسسات التأمين الإسلامي مع مؤسسات التمويل الصغير بإنشاء صندوق تأمين خاص للحرفاء ليتحقق مبدأ التضامن . وكذلك التعامل والتكامل مع صناديق الزكاة للاستفادة من سهم الغارمين بالنسبة للذين يثبت عدم قدرتهم على سداد أقساط السداد إذا ثبت أحقيتهم.
  7. توسيع قنوات الحوار بين المسؤولين عن المصارف والبنك المركزي مثل عقد الملتقيات و إقامة الندوات المحلية والدولية، وهو ما من شأنه أن يضيق الهوة في التفكير بين الخبراء من النظام المصرفي التقليدي والإسلامي .
  8. وفي المقابل ولتحقيق مقاصد الشريعة في المجال الاقتصادي خاصة مقصد تحقيق التنمية الطيبة أرى بضرورة ضبط نسب متوازنة في استعمال المنتجات المالية وفرض نسبة قصوى في استعمال المرابحة لترك المجال للمنتجات الأخرى التي لها صبغة المشاركة تحقيقا لمبدأ الغنم بالغرم.
  9. استعمال آلية الأوراق المالية الإسلامية في العلاقة بين البنك المركزي والبنوك الإسلامية .وسوف أختص بالتحليل بهذه الآلية نظرا لأهميتها المتميزة في حل أهم إشكال في العلاقة التكاملية بين المصارف الإسلامية والبنوك المركزية.

رابعا: الأوراق المالية الإسلامية

هل يمكن للأوراق المالية الإسلامية أن تعالج ولو بصورة جزئية جانبا من العلاقة الشائكة بين البنوك الإسلامية والبنك المركزي ؟
أهمية الأوراق المالية الإسلامية في العلاقة بين البنك المركزي والبنوك الإسلامية : تُعرف الأوراق المالية أو الصكوك الإسلامية بأنها شهادات أو وثائق أو سندات، تُصدر باسم المكتتب مقابل الأموال التي قدمها لصاحب المشروع، وهي تمثل حصصا شائعة في رأس المال، وتكون متساوية القيمة، وقابلة للتداول، ولمالكها حقوق وواجبات خاصة، ضمن ضوابط وأحكام الاستثمار والتداول الإسلامي.إذن هي أداة تمويلية متفقة وأحكام الشريعة الإسلامية، ويمكن أن تقوم على أساس المضاربة، أو المشاركة، والإجارة، أو السلم، أو الاستصناع، وهي قابلة للتداول، يستطيع البنك الإسلامي صاحب الأزمة المالية المؤقتة أن يستفيد منها كثيرا ويحل ما قد يحتاجه من عسر مالي.

وبإمكان البنك الإسلامي إذا كان مستثمرا أمواله في مشاريع وأصول حقيقية (و هنا أقف على كلمة ان كان مستثمرا حقيقيا لأقول بضرورة تفعيل المنتجات المالية الأخرى غير المرابحة أي المشاركة المتناقصة لتحقيق مقاصد الشريعة في الجانب الاقتصادي التي أشرت إليها في أول كلامي) تسييل أصوله بإصدار صكوك في هذه الأصول، وتكون محددة ومؤقتة، ويمكن تداولها في سوق الأوراق المالية، وتُطرح على الراغبين بشرائها، وعن طريق هذه الصكوك يستطيع البنك الإسلامي الحصول على السيولة المطلوبة، وتخفيف حدة الأزمة المالية وتجاوزها ،
كما يفضل أن يقوم البنك المركزي بشراء هذه الصكوك والإفادة منها كأداة مضافة إلى أدوات السياسة النقدية البديلة عن السياسة النقدية التقليدية.
ويقتضي التعامل بالصكوك المالية الإسلامية وإيجاد حل للمسعف الأخير تعديلا في أنظمة ولوائح البنك المركزي، ووضع أسس وقواعد ومعايير التي يمكن من خلالها للبنوك الإسلامية اللجوء إلى البنك المركزي، وأن يعمل هذا الأخير على إصدار أوراق مالية حكومية منضبطة بالضوابط الشرعية من حيث النشاط الحلال، والتمويل القائم على المشاركة، والعائد القائم على الغنم بالغرم.
في صكوك المضاربة يستطيع البنك المركزي أن يعدل في حصة أرباح البنك الإسلامي في أرباح المضاربة حسب ما يقتضيه الوضع الاقتصادي السائد، فإذا أراد خفض حجم الائتمان (انتهاج سياسة نقدية تقييدية) يستطيع أن يخفض من حصة البنك الإسلامي في أرباح المضاربة، ويعمل العكس في حالة استهداف سياسة نقدية توسعية. و اعتماد آلية الربح محل آلية سعر الفائدة، بحيث تكون هي المحرك الأساسي للعرض والطلب على النقد.
وفي صكوك الإجارة يمكن توزيع الأرباح في عمليات المشاركة على أساس التحكم نصيب كل طرف في الأرباح و أيضا في حجم علاوة الإدارة، ويقصد بهذه العلاوة أن الأرباح الموزعة في اتفاق المشاركة بين البنك المركزي والبنك الإسلامي يتم تجنيب نسبة منها كمكافأة عن إدارة نشاط الأعمال، أو ما يسمى ” الوظيفة الاستثمارية “، ويتم تخصيص الجزء المتبقي لتوزيعه بين الطرفين حسب رأس المال.

و هنا تبرز الصعوبة العملية لقيام البنك المركزي بدور ” الملجأ أو المسعف الأخير ” تجاه البنوك الإسلامية على أساس التمويل وفق مبدأ المشاركة في الربح والخسارة.وكذلك لأنها تحتاج إلى آجال طويلة المدى ومن البدائل الأكثر تفضيلا والمقترحة لعمليات السوق المفتوحة التقليدية هي القرض الحسن، وهي الصيغة الأنسب للتمويل قصير الأجل، بحيث تقوم البنوك الإسلامية بتقديم قروض حسنة للحكومة يمثلها البنك المركزي من أرصدة حسابات الائتمان لديها، وفي الحالات الطارئة حينما تواجه تلك البنوك عجزا في السيولة، يقوم البنك المركزي باعتباره ممثلا للحكومة، بتقديم قروض حسنة لها في شكل صكوك. وفي هذه الحالة، يمكن أن تصنف صكوك القرض الحسن من ضمن الأدوات المالية الإسلامية قصيرة الأجل التي يمكن التعامل بها في إطار عمليات السوق المفتوحة، والتي يمكن للبنك المركزي أن يصدرها لحساب الخزينة لتمويلها وفق الصيغ الإسلامية.
وكذلك الأمر إذا ما أراد البنك المركزي تنفيذ سياسة نقدية توسعية، فحينئذ يقدم للبنوك الإسلامية قروضا حسنة، وذلك وفق ما يقتضيه الوضع الاقتصادي السائد.ويدخل التعامل بصكوك القرض الحسن في نطاق الدور الاجتماعي والتكافلي المنوط بالبنوك الإسلامية، كما ينبغي على البنك المركزي التقيد والالتزام به أيضا دون سابقة شروط.

1. الخلاصة:

بالاعتماد على المقاربة المقاصدية في تشخيص جل الأوضاع في البلدان التي اعتمدت المالية الإسلامية , نستطيع القول أن دور البنوك المركزية في بناء صرح التكامل مع مؤسسات الصيرفة الإسلامية لا يزال في نشاز معها مما يتطلب مجهودا مشتركا لتجاوز الوضع وتحسين المناخات بغرض تحقيق مقاصد الشريعة في الجانب الاقتصادي والمالي.وهو مجهود فكري يخص هندسة العلاقات المالية وهو عملي وتجريبي يستفيد من التجارب والتجارب المقارنة ولكنه أيضا سياسي يعتمد على الحوار .

الحبيب غـــربـــال
باحث في الاقتصاد الإسلام